تناول تقرير تشاتام هاوس تداعيات الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، موضحًا أن هذه الضربات تمنح إسرائيل تفوقًا استراتيجيًا مؤقتًا، لكنها تطرح أسئلة حادة حول مدى قدرتها على الاستمرار في نهج عسكري مستقل دون ضمان دعم أميركي شامل.

قدّمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعمًا استخباراتيًا ولوجستيًا لإسرائيل، لكنها تجنبت التورط المباشر، ما يعكس انقسامًا داخل البنتاجون حول مستوى الدعم. طالب قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، بزيادة الدعم، بينما عارض ذلك مساعد وزير الدفاع، إلبرج كولبي، مفضلًا التركيز على آسيا. أثار هذا الوضع مأزقًا لإسرائيل، التي ربما راهنت على أن الضربات الأولية ستجذب تدخلًا أميركيًا مباشرًا أو تمهد لحل دبلوماسي.

أثار نشر الولايات المتحدة 28 طائرة تزود بالوقود تكهنات حول استعدادها لدعم إسرائيل دون التورط في العمليات نفسها، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل قد بالغت في تقدير الدعم الأميركي المحتمل، خاصة وأن تدمير بعض المنشآت الإيرانية يتطلب قنابل خارقة للتحصينات لا تملكها إسرائيل وحدها.

أما على الساحة الأوروبية، فشهد الموقف تحولًا لافتًا. رغم الانتقادات الشديدة لسلوك إسرائيل في غزة، والتي وصلت إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ضد نتنياهو وفرض عقوبات أوروبية على وزرائه، فإن الضربات على إيران لقيت تفهمًا أوروبيًا واسعًا. اعترفت بريطانيا وفرنسا وألمانيا علنًا بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدًا وجوديًا للقارة الأوروبية، وتجنبت توجيه انتقادات صريحة للهجمات. دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى التهدئة، لكنه أشار إلى "القلق المزمن" من برنامج إيران النووي، ما يعني أن طهران نجحت مؤقتًا في إزاحة التركيز عن الحرب في غزة، ومنحت حكومة نتنياهو فرصة لاستعادة بعض شرعيتها في أوروبا.

في العالم العربي، ظهر تباين بين التصريحات العلنية والمواقف الفعلية. دعمت التصريحات الرسمية السيادة الإيرانية ورفضت الهجمات الإسرائيلية، لكن التنسيق العملي مع إسرائيل كشف حسابات مختلفة. أبرز مثال على ذلك اعتراض طائرات أردنية طائرات مسيّرة إيرانية، مما يدل على تغيّر في توازنات الإقليم. ضعف النظام السوري وانفصاله شبه التام عن المحور الإيراني عطّل طرق التهريب التقليدية، وقلّل من التحديات الجوية التي تواجهها إسرائيل في الأجواء السورية، مع تركيز دمشق على أولويات داخلية.

رغم ذلك، لم تمنح دول الخليج ثقتها لحكومة نتنياهو، وتراجع مستوى تعاونها مقارنة بما حدث خلال الهجمات الإيرانية قبل عام. تخشى هذه الدول التصعيد، ولا ترغب بوجود قوة مهيمنة واحدة في الإقليم. كما أن قضية غزة لم تُطوَ بعد، إذ لا تزال الحرب مستمرة، والأزمة الإنسانية تتفاقم، والرهائن لا يزالون محتجزين، ما يعني أن الضغوط الدولية لاستئناف الجهود السياسية ستعود بقوة، رغم الانشغال الإيراني المؤقت.

أما روسيا، فأدانت الضربات الإسرائيلية كالمعتاد، لكنها لا تملك أدوات حقيقية للتأثير. العقوبات الغربية حدّت من قدرتها على دعم إيران عسكريًا، في حين أن اعتمادها على المسيّرات والصواريخ الإيرانية في حربها بأوكرانيا جعل موقفها أكثر تعقيدًا.

باختصار، يرى تحليل تشاتام هاوس أن إسرائيل تمكّنت مؤقتًا من تغيير مركز الثقل في النقاش الدولي، لكن عدم وضوح مستقبل التحالف مع الولايات المتحدة، إلى جانب استمرار معضلة غزة، يهددان بعودة الانتقادات واهتزاز شرعية تحركاتها في أي لحظة.
 

https://www.chathamhouse.org/2025/06/strikes-iran-netanyahu-has-diverted-criticism-israels-gaza-operations